الجمعة، 12 مارس 2010

روح التسامح (( تجربة عمانية ناجحه ))

التسامح من اجل وطن جميل
( عفا الله عما سلف )
أنقل مقالين من جريدة الشرق الاوسط للكاتبين خالد القشطيني والدكتور احمد الربعي رحمه الله ، حيث ركزا في مقاليهما عن التجربة العمانية الناجحه ضد المخالفين لسياسة الحكومه ، وكيف اتبعت حكمة جلالة السلطان قابوس حفظه الله في دمجهم مع المجتمع كونهم اولا واخيرا هم ابناء الوطن .. حيث لا يوجد فرق بين المواطنين ، يتعايشون على هذه الارض ، يجمعهم وطن ولا يفرقهم دين او مذهب او قبيله  أو أي شي آخر ... ان السياسة التي ينهجها جلالة السلطان حكيمة بمعنى الكلمه متزنة ومتوازنه نابعه من الاصاله ولتعطي درسا ابويا للانتماء لهذا الوطن ، بغض النظر عن ما يحصل من خلل قد يصيبه ، فنحن لا نقول اننا نعيش في مدينة فاضلة او نحن ملائكيين ، ولكن نسعى جميعا ان نصل بهذا الوطن الى بر الامن والامان ، وبحكمة السلطان ، لقد أعطى جلالته حفظه الله ضوء أخضر بعدم مصادرة الفكر ، وأن يكون الانتقاد من أجل الوطن وليس شخصنة أو تشفي ، المدونات والمنتديات دليلا على ذلك ، ولم يسمع أن فلانا قد أخذه الامن لمعاقبته واهانة كرامته ، بل أعطي حقوقه للدفاع عن نفسه ....  وعفا الله عما سلف .
****************************************
التجربة العراقية والتجربة العمانية                           خالد القشطيني
الحقد وطلب الثأر أسوأ صفة في رأيي. المؤسف أن هذا ما يجري الآن في العراق. قتلوا الطيارين العراقيين الذي أمروا بالغارات على إيران، والبعثيين الذين ساندوا صدام حسين وعملوا له. والآن تراهم منشغلين باجتثاث البعث. لا أدري ما الذي حصل لكل أولئك الفنانين الذين رسموا صورته أو صنعوا تماثيله أو هندسوا قصوره أو غنوا أناشيده أو أخرجوا أفلامه أو مثلوا فيها. ولكن لم لا؟ إذا كانوا قد قتلوا حتى نساء العائلة المالكة، فلم لا يقتلون من ألقى قنابل على إيران أو كردستان؟
كان بين من أبيدوا في مذبحة العائلة المالكة الأمير عبد الإله. والبادي أظلم. فقد سبق له أن أظهر أسوأ عملية ثأرية عندما أصر على إعدام الضباط الأربعة الذين قادوا الحرب ضد الإنجليز فيما يعرف بحركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941. لم يسيئوا له بشيء سوى أنهم حاربوا أصدقاءه الإنجليز فيما يعتبره العراقيون حربا وطنية. أصر على الانتقام منهم، ومر بسيارته ليتفرج على جثة أحدهم معلقة في المشنقة. أبشع عملية تشف بدائية. واصل غريزته الانتقامية بأن طالب الملك عبد العزيز رحمه الله بتسليم الكيلاني أيضا ليعدمه. ولولا تمسك العاهل السعودي بروح الشهامة والسماحة التي اشتهر بها وبحقوق الدخيل التقليدية لحصل عليه وشنقه. ولكنه دفع ثمن بدائيته. فما فعله أوغل كره العراقيين والضباط خصوصا ضده. ثاروا عليه في 1958 وقتلوه وسحلوا جثته في الشوارع ومزقوها إربا إربا. بشر القاتل بالقتل.
ما يجري في العراق الآن هو نتيجة من نتائج زج الروح الانتقامية في السياسة. على نقيض ما حصل عليه العراق من مآسيها وسلبياتها، نجد بلدا عربيا آخر يجني ثمار روح التسامح والعفو عند المقدرة. وأقصد به هنا سلطنة عمان. لقد استنزف ثوار ظفار الشيوعيون ثروات البلاد ودماء أبنائها في حرب أهلية طاحنة استمرت عدة سنوات، وهددت بنسف الوحدة الوطنية، حتى تمكن السلطان قابوس من دحرها. المنتظر من أي حاكم وقد ألقى القبض على قادتها ألا يتردد في إعدامهم فورا والانتقام من كل أصحابهم. لم يفعل ذلك، وبادر فورا بالتصريح علنا «عفا الله عما سلف». وأصبحت تلك الكلمات شعارا لسياسة السلطنة. أطلق سراحهم جميعا وعينهم موظفين في الدولة واتخذ منهم مستشارا له. عاد لتنفيذ هذه السياسة عندما قبضوا على 31 متطرفا مع معداتهم التفجيرية لنشر الإرهاب. حكم عليهم بالسجن المؤبد، وأحيل القرار للتصديق، لكن السلطان قابوس رفض ذلك، وأمر بإطلاق سراحهم وإعادتهم إلى وظائفهم. ومما يلفت النظر أن الدولة استمرت في دفع رواتبهم لهم طوال مدة اعتقالهم. إنهم الآن من أكثر العمانيين ولاء للسلطان واحتراما لسياسة الدولة.
أسوق هذا الكلام لفائدة السادة المسؤولين عن أحوال العراق اليوم وأرباب «اجتثاث البعث». اتعظوا من هذا الدرس الذي أسبغ على عمان هذا الاستقرار العجيب والتنمية المستديمة والخلو من أي معلم من معالم الإرهاب أو الضغط على أحد. 
http://www.s-oman.net/avb/showthread.php?t=700006
-
عمان.. عقلية التسامح                           
 احمد الربعي

العفو السلطاني عن المحكومين بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم في سلطنة عمان، لم يكن قرارا مفاجئا لمن يتابع الحالة السياسية في سلطنة عمان، فالسلطنة هي نموذج في المنطقة لحالة من التسامح السياسي غير المسبوق.
سلطنة عمان عاشت حالة من الحرب الأهلية الطويلة، وكانت النتيجة أن صدر أكثر من عفو عام عن كل ما يتعلق بتلك الحرب. وصدر عفو عن كل العمانيين في الخارج، بل إنها الحالة الفريدة التي ترسل فيها الحكومة وفودا لإقناع معارضيها بالعودة إلى وطنهم، وحيث تسلم عدد من مقاتلي الأمس مسؤوليات العمل العام في البلاد. وحيث تم إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين.
ربما لا يعرف كثير من الناس أن سلطنة عمان لم تعرف المدرسة الحديثة، ولا المستشفى، ولم تكن هناك بناية واحدة في طول السلطنة يمكن أن يطلق عليها بناية حديثة، كانت حالة الناس المادية والخدمات العامة معدومة. وكانت السجون تؤوي أشخاصا بلا محاكمة، بعضهم قضى أكثر من أربعين سنة في السجن بدون تهمة، حتى لحظة التغيير الكبير في عمان عام 1970، الذي نقل البلد من حالة من الحرمان السياسي والاقتصادي والإنساني إلى بلد يحاول بكثير من الثقة اللحاق بالحضارة المعاصرة.
روح التسامح وعقلية التصالح هي دائما حالة إنسانية لا يستفيد منها المواطنون فقط بل تستفيد منها السلطة السياسية. فالأحقاد والكراهية والشعور بالمهانة والشعور بأن الدولة جائرة وغير متسامحة، يخلق حالة من الكراهية التي تعتمل في النفوس. وعندما لا تجد هذه النفوس طريقة للتعبير تتحول إلى خطر على نفسها وعلى مجتمعها.
هناك سجناء رأي في طول العالم العربي وعرضه، يقضون سنوات في السجون من دون أن يفكر أحد في مصير هؤلاء. بل هناك حالة من التشفي لدى بعض متخذي القرار ضد هؤلاء المواطنين، الذين لهم رأي آخر لا يتطابق مع الرأي الرسمي.
الكاسب من العفو السلطاني في مسقط هو المجتمع برمته. ومثل هذه الخطوة تعزز الثقة بالنفس للدولة، وتعزز الشعور بالانتماء للمواطنين، وتشيع جوا من الألفة والإنسانية التي تفتقدها مجتمعات كثيرة.