الخميس، 3 مارس 2011

العهد الجديد وتجديد الولاء

أعقلها وتوكل يا صاحب الجلالة

للكاتب: زاهر بن حارث المحروقي

كاتب وإعلامي عماني
“1 ”
هناك ما أثار الانتباه في كل المظاهرات والاحتجاجات والمسيرات التي حدثت في السلطنة مطالبة بالإصلاحات وهي أن جميع المحتجين من أبناء السلطنة كانوا على مستوى الحدث إذ أن الكل أجمع على أن صاحب الجلالة السلطان المعظم خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو الإساءة إليه ، ولذا لم نشاهد أبدا لافتة من اللافتات المحمولة تسيء إلى جلالته أو إلى قراراته ، ولم نسمع صيحات كالتي سمعناها في كل المظاهرات التي انطلقت في الوطن العربي والتي تردد ( الشعب يريد إسقاط النظام ) أو ( إرحل إرحل ) كالتي انطلقت من تونس ومصر وليبيا واليمن ، بل شاهدنا عبر القنوات الفضائية لافتة حملها أحد المتظاهرين في ولاية صحار وهي تقول : نريد وزراء من آل سعيد
إن هذا يدل دلالة واضحة على أن الشعب العماني متلاحم مع قيادته ويحب سلطانه ، وإنما جاءت تظاهراته احتجاجا على بعض الأوضاع داخل البلد يرى هؤلاء الشباب أنها مطالب عادلة ويجب أن يؤخذ بها خدمة للصالح العام للوطن ، كما يرى هؤلاء الشباب أن هناك بعض الوجوه في الحكومة سواء كانوا وزراء أو غير ذلك من المسؤولين ، من الذين استفادوا من البلد وحكموا عمان وكأنها مزرعة خاصة بهم إذ ملكوا وسيطروا على الأرض ومن فيها وما عليها وعلى البحر والسماء ، وكل ذلك باستغلال نفوذهم وسلطتهم الممنوحة لهم وكأنهم يتصرفون في كل شيء من مقدرات هذا الشعب باسم صاحب الجلالة ، مما يعطي انطباعا سيئا على أن صاحب الجلالة هو الذي في الصورة وأنه على علم بفسادهم ، وهذا أعطى الفرصة للمحللين والكتاب والمثقفين أن يروا أن هناك حناحين في السلطنة يتصارعان على مقدرات الوطن والشعب وهما الجناح المالي المتمثل في فئة من الوزراء أصحاب المصالح وفي الجناح الأمني المتثمل في رجال الأمن والعسكر ، وهذا ما أشار إليه الشاعر محمد الحارثي في مقابلته الشهيرة مع قناة الحرة ، والتي انبرى البعض يهاجمه إذ أخذتهم العاطفة فقط ثم مرت الأيام وإذا الكل يردد ما قاله الحارثي حينها
إن الشباب الذين خرجوا في مظاهرات أو احتجاجات أو مسيرات ليسوا منعزلين عن العالم لأنهم أبناء اللحظة وليسوا أبناء الماضي فهم يرون ويسمعون ويقرؤون كل ما يدور حولهم في العالم ويؤمنون أن الوطن للجميع وليس حكرا على فئة معينة ومن ثم فإن مطالبهم بسيطة وسهلة ولا يحلم أي أحد منهم أن يملك المليارات رغم أن هذا حق ، إلا أنهم يحلمون بأحلام بسيطة تليق بالبشر كالوظيفة والراتب والمسكن والأسرة ، لأن الشعارات الرنانة *ذهبت أدراج الرياح كشعار ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ..! لأن على العماني الآن أن يبحث عن الخبز ويبحث عن السمك الذي كان يسمى في عمان إنه طعام الفقراء ولا يستطيع العماني الفقير الآن أن يشتريه لأنه غالي ونادر رغم أن وسائل الإعلام العمانية تردد ليل نهار أن شواطيء عمان تزيد على 3 آلاف كيلو متر

” 2 ”
لا يمكن الآن أن نتعامل مع الجيل الجديد من شباب عمان بعقلية ما قبل عام 1970 ، لأنه جيل اختلف عن الجيل السابق الذي عانى ما عاناه ولا يمكن أبدا أن يتم التخاطب مع هؤلاء الشباب بلغة الماضي التي ملها الناس ، فهم أبناء اليوم وأبناء عصرهم الخطير عصر الفضائيات والانترنت والحريات والفضاءات المفتوحة والفيس بوك والتويتر والإيميلات وفوق هذا وذلك فهم شباب الحرية والديمقراطية وشباب عصر المناداة بالحرية والديمقراطية ومنظمات حقوق الإنسان وغير ذلك ، ولنا خير دليل في مصر وتونس وليبيا ، والقادم أخطر وربما أسوأ
إذا لم نتدارك الوضع فإن ما حصل في تونس ومصر ليس ببعيد عنا ، وما يؤسف له أننا – كما يبدو – لم نتعلم الدرس التونسي والمصري والليبي ، إذ ما الداعي لإطلاق الرصاص على المحتجين ؟
إن العملية الحسابية النسبية تشير إلى أن أخطاءنا كانت أكبر قياسا إلى أخطاء الآخرين فعدد المحتجين في عمان كان قليلا جدا قياسا إلى ما حدث في مصر وتونس وليبيا واليمن والجزائر والبحرين وعدد أيام الاعتصام كانت قليلة وسقف المطالب كان قليلا بل خجولا ، فكيف يتم قمع المحتجين حتى تسيل الدماء ؟
إن العنف دائما يوّلد العنف ، والحكمة دائما تؤدي إلى نتائج طيبة ، وما نحتاجه الآن في عمان هو العقل والابتعاد عن التخبط والخوف والربكة ، ويجب أن تتغير عقلية المسؤولين العمانيين بأن يعلموا أنهم ليسوا أصحاب فضل على أحد بل هم مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات مثلهم مثل أي مواطن فقير ، لأن حكمة الله سبحانه وتعالى قضت أن تكون 40 عاما هي الفترة الكافية لتغيير عقليات وأفكار الناس ، إذ أن الشعوب التي تنشأ في الاستبداد وتعامل بالظلم والاضطهاد وهي تسكت عن حقها وترى الخطأ والمنكر وتسكت عنه تفسد أخلاقها وتذل نفوسها فتستسيغ حكم كل طاغ وإذا طال عليها الأمد تصبح هذه الأخلاق موروثة ومن صميم طباعها ، وهكذا كان الحال مع بني إسرائيل الذين أفسد ظلم الفراعنة طباعهم في مصر وطبها بطابع المهانة والذل والجبن إلى أن جاءهم نبي الله موسى يدعوهم إلى الجهاد لدخول الأرض المقدسة ولكن نفوسهم المهينة التي ألفت الذل والاستعباد لم تطاوعهم الجهاد ورفضوا الدخول إلى فلسطين حتى كتب الله لهم أن يتيهوا في صحراء سيناء 40 سنة ، حيث قال الكثير من المفسرين للقرآن الكريم إن حكم الله لبني إسرائيل أن يتيهوا في صحراء سيناء 40 سنة كانت الحكمة منه أن يذهب الجيل القديم الذي رضخ للطغيان واستعذب العبودية وسكت عن حقه وأن ينشأ جيل جديد يؤمن بالحرية والجهاد ليمكنهم الله من دخول الأرض المقدسة وهم أحرار لا أذلاء ولا عبيد لأحد من خلق الله ، والخلاصة في ذلك أن إصلاح الأمم يكون دائما على أيدي جيل جديد يؤمن بالحرية وباستقلال الرأي
وربما هذا ينطبق تماما على الوضع الحاضر وهو ما حصل في مصر بالذات إذ بعد مرور 40 سنة من حكم الرئيسين السادات وحسني مبارك خرج ذلك الجيل الذي غير تاريخ المنطقة ، ولم يدر في خلدي أني سأكتب ذلك أيضا عن الجيل العماني
 

” 3″
يحسب لوسائل الإعلام العمانية أنها نقلت الحدث على الهواء وهذا كان شيئا جيدا لكن الخطأ الذي وقع فيه الإعلام هو تسمية المحتجين بالمخربين ، وهي كلمة تستفزهم وتجعل منهم معاندين أكثر وأكثر لأنهم في الأول والأخير هم أبناء الوطن ولهم مطالب مشروعة وعلى الدولة أن تلبي ما تستطيع وتتحاور معهم فيما لا تستطيع
وإذا كنا نرجو من جلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه أن يعقلها ويتوكل على الله وينقذ البلد من شلة متنفذة لا تبحث إلا عن مصالحها وهي سبب كل ما حدث في السلطنة – البلد الآمن الذي يشيد به الكل ويشيد بحكمة صاحب الجلالة في الأزمات – ، فإن سياسات الإعلام العماني تحتاج إلى تغيير أيضا ومسايرة العالم وليس معنى هذا أني أطالب بإعلام منفلت ولكن أرى أن هناك جيلا من الإعلاميين العمانيين من أصحاب الخبرة والولاء مغيب عن الساحة وأن الإعلام ليس له أي دور في التنمية لأنه إعلام صوت واحد لا يُسمح به بأدنى انتقاد للمصلحة العامة ، وهذا جعل الأشياء تتراكم حتى وصلت إلى الاعتصامات ، لأن الإعلام ظل يغرد خارج السرب طويلا وظل المواطنون يغردون في سرب آخر طوال ال40 سنة الماضية لدرجة أن الناس في الأزمة الحالية لا يصدقون إلا ما تقوله قنوات الجزيرة والعربية والحرة والبي بي سي ، فإذا أعلنت السلطنة أن هناك قتيلا واحدا وبثت القنوات الأخرى أن القتلى مئة فسوف يصدق الناس الإعلام الخارجي
لقد ظلت سياسة الدولة – أو سياسة الإعلام العماني – طوال السنوات الماضية هي دعوة الصحفيين من الخارج لتغطية الاحتفالات المحلية ، وعندما تنتهي الاحتفالات يخرج كل صحفي ومعه ألف ريال عماني وهدايا قيمة من ساعات وذهب وغير ذلك ثم ينشر كلمات إنشائية في صحف لا يقرؤها أحد وإذا بنا نفرح بما كتب عنا ، وإذا توقفت الهبات سارع الصحفيون أنفسهم بسبنا وبذمنا لأن العطاء توقف ، بينما نجد الإعلاميين العمانيين يخرجون دائما ( من المولد بلا حمص ) ومع ذلك فهم راضون إذ أنهم يخدمون وطنهم بأمانة وإخلاص ، وهذا جعل الكل لا يصدق كل المديح الذي يكال لنا ، وربما هذا من الأشياء التي أوصلت الشباب إلى ما وصلوا إليه

” 4 ”
من قلب مخلص ومحب نقول لجلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه وأبقاه : إن البلد تحتاج إليك وتحتاج إلى أن تدير الأمر بنفسك وتعيد بناءنا من جديد وعلى أسس جديدة وعصرية تلبي احتياجات شعبك الذي يعزك ويحب ويقدرك ، لأن الجيل الجديد جيل غير جيلنا ، وصحيح أنه يحمل لك كل الحب والولاء والوفاء – وهذه حقيقة – لكن لا يمكن الوثوق والركون إلى ذلك طويلا إذا لم يتم تلبية مطالبهم ، ومن أبسطها إبعاد الشلة المتنفذة في كل شيء من الوزراء والمنتفعين والمدافعين عن مصالحهم فقط *، بل ومحاسبتهم وإرجاع المال العام للدولة ، لأن الآن هو وقت التصحيح ووقت التغيير وهذا يقتضي أن يحاسب من تسبب في وفيات وإصابات في اعتصام صحار
وعلى المسؤولين أن يعملوا على بناء الوطن من جديد ويعلموا أنهم في خدمة الشعب لا في قمعه وفي سرقة مقدراته ولقمة عيشه ونرجو منهم أن لا يتسببوا في سماع صيحات ( الشعب يريد إسقاط النظام ) ولا صيحات ( ارحل ، ارحل ) لأن متطلبات الشعب العماني متطلبات بسيطة جدا ولا تحتاج إلى كل هذه الضجة التي حصلت ، ومن ثم فالرجاء من أصحاب المطالب أن يكونوا عقلاء ولا للتخريب أفعلها يا صاحب الجلالة ، وتوكل على الله فإن شعبك ينتظر من الكثير ، وأول شيء هو إبعاد كل من تسبب في أن تصل السلطنة إلى مضغة في أفواه الفضائيات والصحافة العالمية ، وكأنهم بذلك يريدون أن يدمروا كل ما حصل من أنجازات طوال 40 عاما

مجلة الفلق الالكترونية  بتاريخ 02 مارس 2011